احمد محمد حلواني / مركب الحياة

(  مركب الحياة  )

مللتُ يا مركبي من قسوةِ الناس
وذقتُ شتى صنوف القهر والباس
 
الناس تسهر ترجو الحرف جاهدة
والبعض يضرب أخماسا بأسداس
 
وعــنديَ الـشعـر لاهمّ ولا تعـب
كـأنــما هــو مـقرون بأنفاسي
 
قد خضت معركة ما بين أفكاري
وبين صحبي وحسادي وجلاسي
 
وعدت من رحلتي والعين شاخصة
والقلب بين رجاء المر والـياس
  
كم كنت أزرع ورداً في الدروب وهم
يلقون أشــواكهم في كل أعراسي
  
وكم يدقون لي المسمار في كتفي
وكنت أكظم غيظي رُغم إحساسي
 
ويخدشون بزيف القول قافيتي
وما خدشت لهم حبرا بقرطاس
 
ويهدمون بيوتي إن علت أدبا
ويقرعون على الأنقاض أجراسي
 
ويحلفون بـأني فاسق عـبـثا
وما دروا أن ديــن الله نبراسي
 
كم مزقت لي رياح الشر أشرعتي
وأغرقت مركبي أمواج وسواسي
 
وسرت لما رماني الموج في خـطـر
الذكر والحمد والتسبيح حُـراسي
 
يا رب ما وطئت رجلي لهم سكنا
ولا ضربت لـهـم أرضا بمغراسي

 
ولا حملت عليهم خنجري أبدا
ولا عصاتي ولا سيفي ولا فاسي
 

أيفـعـلــون بـمـثـلـي هـكــذا حـســدا
على ارتعاش يدي في قبضة الكاس

 
أم يحسدوني علي جوعي ومخمصتي
أم يحسدوني على فقري وإفلاسي


أيـجهلـون بـأنــي شـاعــر فــطــن
وأن قــافـيـتـي تبـري وألـمـاسـي


ما هـزني الـفقـر والأيـام شــاهــدة
أو  ضـرني أنـني من أفـقـر الناس


فـلم ازل بـينهـم كـالـشـمس منفرداً
ولم أزل بـينهم كـالـشامخ الراسي


تـركت لـله تـدبـيـر الأمـــور وما
أصاب نـفـسيَ من هـم ومن باس

 
ومـا مددت يـدي إلا لخالـقهـا
ولا شكـوت على قاض ولا آس


ولى الربيع لعمري والخريف أتى
لم يبق لي غير أشعاري وكراسي


راح الـشـباب وأيـام الـصبا رحـلت
والشيب في لحيتي يزهو وفي راسي


يا رحلة الـعـمر راح العمر وانصرمت
سنونه حــيـن دقــت كــل أجــراســـي


أرى الـغـصـون التي عاهدتها يبستْ
وأجــدبت أرض أصحـابـي وجلاسي


قد عدت من رحلتي من غير راحلة
زادي العناء ومائي دَمعيَ القاسي

 
أبـديت  ما كان منها ظاهــرًا علنًا
وما اختفى لم يزل ما بين أقواس


يا غافر الـذنب ذنبي من سيغفره
سواك يا مالكا قــلـبـي وأنفاسي


فاغــفــر ذنوبيَ إنـي تُـبـتُ يـا أملي
أخـشاك يـا رب لا أخشى مـن الناس

مـتـنبي العــصـر الأديب القدير الروائي والقاص والشاعر الكبـيـر

أحمد محمد حلواني

القنفذة / الغادة